علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم

( علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم )
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بيتته له قريش، فأعد العدة للهجرة، وأسر بذلك إلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي كان ينتظر هذا بلهفة وشوق ، فأعد لذلك الأمر عدته من قبل، للقيام بأعظم رحلة في تاريخ البشرية. ، دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب لينام في فراشه في تلك الليلة، ليضلل قريشاً من جهة، ومن جهة أخرى لكي يتخلف في مكة، ليؤدي للناس ودائعهم التي كانت عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في عماية الصبح، والمتاًمرون واقفون على بابه، ينتظرون لحظة خروجه للإنقضاض عليه، لكن الله أعمى أبصارهم، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى وقذفها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، ثم تلا قوله تعالى: ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداَ فأغشيناهم فهم لا يبصرون) يس:9) ، قصد النبي صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر الذي في انتظاره ومعه الرواحل والزاد. وكل ما يلزم الرحلة المباركة، وكان دليلهم في رحلتهم عبد الله بن أريقط. انطلقت الرحلة المباركة قاصدة غار ثور في جنوب مكة، مع أن وجهتهم كانت يثرب في الشمال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن قريشاً عندما تكتشف أنه نجا من كيدهم ستتجه في بحثها عنه إلى الشمال، عندئذ يكون هو قد وصل إلى الغار واختبأ فيه والحق أن خطة الهجرة كانت دقيقة وسرية إلى أقصى حد، ووضع لها كل ما في وسع البشر أن يفعلوه لضمان نجاحها، فإذا لم يفلح هذا كله، فستأتي عناية الله في اللحظة المناسبة لإنقاذ الموقف، فالذين علموا بأمر الهجرة كان عددهم محدوداً جداً وكانوا موضع ثقة، منهم: عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وأخته أسماء وكل واحد من هؤلاء له عمل محدد وفي غاية الأهمية والخطورة، فعبد الله بن أبي بكر كانت مهمته أن يتسمع أخبار قريش بالنهار في أنديتها، ثم يبلغها الرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الليل ، وكانت مهمة أسماء إعداد الطعام، ولما لم تجد مرة حبلاً تربط به حقيبة الزاد ، شقت نطاقها الذي كانت تشد به وسطها، وربطت بأحد الشقين الحقيبة فلقبت بذات النطاقين. ، أما عامر بن فهيرة فكانت مهمته أن يرعى الأغنام بالقرب من الغار ليزودً النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر باللبن، ويسير بأغنامه على آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر حتى يمحوها، فلا يفطن أحد إلى مكانهم. ، جنً جنون قريش حين علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفلت من قبضتها، وأن النائم في الفراش لم يكن سوى علي بن أبي طالب، فأخذت تبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان ، وبعد أن أعياهم البحث في طريق يثرب عادوا ألى الجنوب، ووصلت طلائع بحثهم إلى باب الغار ففزع أبوبكر حتى إنه بكى من شدة خوفه حياة النبي صلى الله عليه وسلم فسأله : ( ما يبكيك يا أبا بكر؟ فقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم مطمئناً: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) ، وقد سجل القرآن الكريم هذا المشهد فقال تعالى: ( إلأ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) التوبة:40) ---( استئناف الرحلة المباركة )--- ظل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ثلاثة أيام حتى هدأت قريش وتعبت من البحث دون جدوى، بعد أن كانت قد رصدت جائزة كبرى قدرها مائة من الإبل لمن يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً ، لكن الله – سبحانه- عصمه من ذلك أيضًا ثم استأنف الرسول صلى الله عليه وسلم رحلته المباركة في غرة ربيع الأول ، وأخذ دليلهما طريقاً غير طريق القوافل المعروف، لئلا يستدل عليهم أحد وكانت الرحلة شاقة واكتنفها كثر من المخاطر، من ذلك أن سراقة بن مالك الجشمي علم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر سلكا ذلك الطريق، فأراد اللحاق بهما والقبض عليهما ، ليفوز بالجائزة ، فلما اقترب منهما غاصت أقدام حصانه في الرمال وعجز عن النهوض، فدهش سراقة فلم يعهد من حصانه هذا من قبل وحاول أكثر من مرة اللحاق بهما، ولكن تكرر فشله ، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه في إشفاق، وسراقة يظن أن النبي منتقم منه لا محالة، فتوسل إليه أن يعفو عنه، وعاهده على ألا يدل عليه أحداً فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وكان أهل يثرب منذ أن علموا بقرب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ينتظرونه بحب وشوق ولهفة إلى رؤيته، وكانوا كل يوم يخرجون إلى مشارف المدينة ، يلتمسون وصوله، فما إن وقعت عليه عيونهم حتى كادوا يطيرون من الفرح ، وهتفوا مرحبين منشدين:
طلع البــــــــــــــــــدر علينا...... من ثنيات الوداع.... وجب الشكر علينا .... مرحبًايا خيرداع..... أيها المبعوث فينا.... جئت بالأمر المطاع.... جئت شرفت المدينة...مرحباياخيرداع...... .) وكان وصول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب التي أصبحت عندئذ تسمى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أو المدينة المنورة يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، لأنه قضى أربعة أيام في قبائل قبل دخوله يثرب، فقد وصلها يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول، وبقي فيها إلى يوم الجمعة ، حيث صلى الجمعة في المدينة وصلى خلفه المهاجرون والأنصار في مشهد عظيم وحادث الهجرة هو أعظم حدث في التاريخ الإسلامي، لذلك اتخذه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مبدأ للتاريخ الأسلامي ، لأن الهجرة هي التي فتحت أمام الأسلام ذلك العالم الرحيب، ومكنت النبي صلى الله عليه وسلم من بناء دولته وتكوين جيشه الذي سيدافع عن دعوته، وأتاحت له يعلم أصحابه أصول دينهم وعلوم السياسة والحرب والسلام، والإدارة والقيادة، وهيأهم ليقودوا الدنيا كلها إلى الخير والعدل والحق، وينشروا فيها الحرية والعزة والكرامة لكل الناس ..